تلمسان معقل الفرق الفدائيّة

لقد تبوّأت مدينة تلمسان مكانة ملحوظة في مجال النظام الفدائي، إلى جانب التنظيمات الثّوريّة الأخرى، والمتعلقة بشبكة “الاتصال والأخبار والتموين”، خاصة في عهد التنظيم الثوري للأقسام 1955-1957 وحيث أن هذه المدينة ، شكّلت منذ الأول موقعا استراتيجيا ضمن مواقع “القسم الخامس”، فقد بادر “عقب اللّيل” بحكم ذلك، إلى تكوين مجموعات فدائية تحت مسؤولية ثلاثة من المجاهدين، عرفوا بإقدامهم وحيويتهم وهم؛ بوسكاية عبد القادر، والهواري، وبوحميدي. فقد تمكّن هؤلاء المجاهدين الثلاثة، في أول الأمر، من تنظيم عدد من الفرق الفدائية. تمركزت في أحياء شعبية من المدينة1. ولم تمض فترة طويلة حتى أسندت مهمة التنظيم الفدائي عام 1956 إلى المجاهد “مراد رشيد”، المدعو “منصور”، هذا الرجل الذي أصبح له دورا فعالا في تنشيط وتوسيع شبكة النظام الفدائي، بمعاونة وتدعيم من عناصر شبانية تنتمي في أغلبيتها إلى أسر في نفس المدينة، لطالما كانت لها علاقة نضالية بـعقب اللّيل قبل اندلاع الثّورة، في إطار الحركة الوطنية وخلايا “حزب الشعب”. ورغم ذلك فلم يمنع كلّ هذا من ظهور فرق فدائية مرتبطة بتنظيمات ثورية أخرى، كانت في مجموعها تابعة لهذا القسم أو ذاك، في إطار التنظيم الثوري للمنطقة الغربية. وإضافة إلى ذلك، فقد ظهرت في مدينة تلمسان بعض الخلايا الفدائية السرية تكونت انطلاقا من مبادرات فردية محلية، قادها عناصر من الشبان الوطنيين المتحمسين للثورة، والذين كانوا رغم صغر سنهم مناهضين للاستعمار، ويرغبون بشتى الوسائل في الالتحاق بالمجاهدين بالجبال. ومن ذلك على سبيل المثال؛ الخلية الفدائية التي قادها الشهيد “لطفي بودغن” إلى جانب الشهيد “بختي عبد الرزاق” وجلول قلوش، وجمال بختي، والطاهر قوار، وسيد أحمد كاهية ثاني، وسيد أحمد فعيلي، وغيرهم. وقد تكونت هذه الخلية بعدما تم لهم الاتصال بخلية فدائية سرية أخرى، كانت تنشط بمنطقة “القلعة”، ضمن النظام الفدائي التابع “للقسم الخامس” وبعد أن انكشف أمر هذه الخلية الفدائية (كان يقودها الشهيد لطفي)، في شهر أكتوبر 1955 للشرطة الاستعمارية، وذلك على إثر قيام عناصرها بهجومات جريئة روعت آنذاك مدينة تلمسان2. فقد اضطر قائد هذه الخلية الفدائية (لطفي) وجماعة من رفاقه إلى الفرار واللجوء إلى منطقة “ولاد رياح”3، حيث مكثوا هناك عدة أيام في انتظار الاتصال بإحدى تنظيمات الثّورة، من أجل الالتحاق بصفوف المجاهدين.ومن المعروف، فقد تمّ بعد ذلك مباشرة، وقد التحق (الشهيد لطفي) بصفوف المجاهدين، لقاءا بينه وبين “عقب اللّيل” بجهة تدعى “تيجديت” غرب وادي الزيتون. وكان من ضمن الحاضرين؛ المجاهد “وهراني أحمد” النائب العسكري. في هذا اللقاء اقترح “لطفي” في سياق كلامه حول دور مدينة تلمسان وإحكام النظام الثوري بين مواطنيها. اقترح تحويل هذه المدينة بضواحيها إلى قسم خاص ومستقل، بدلا أن تبقى تابعة “للقسم الخامس”. فاستمع إليه “عقب اللّيل” باهتمام بالغ، ثم رد عليه، وكعادته بطريقة مباشرة قائلا:«يبدو أنك جئت متعطشا ومتلهفا على المسؤولية في مدينة تلمسان… في الوقت الذي ليس لك أيّ صفة نظامية تؤهلك لذلك.. بل ما زلت أنت وأصحابك تحت المراقبة بالنسبة للثورة…فمن الأفضل أن تتحلى بالروية والصبر، وهذا أفضل لك… والمهم سأبعث بك إلى القيادة، واليفعلوا ما يشاؤون…».

ومن المعلوم فإن مدينة تلمسان قد تحولت بعد ذلك، أي بعد استشهاد “عقب اللّيل” وبعد تطبيق نظام الولايات بداية عام 1957، قد تحولت إلى قسم خاص تولى مسؤوليته المجاهد مجاهد بومدين المدعو “عبد الجبار” وقد كان من ضباط “القسم الخامس”

ومهما كان من أمر، فإن التنظيم الفدائي بمدينة تلمسان، وفي ظل التسيير الثوري “للقسم الخامس”، أخذ أبعادا مختلفة وأنشطة ثورية متنوعة، تراوحت بين الهجومات بالقنابل اليدوية على مراكز الاستعمار، وتهديد المتعاملين مع الشرطة الاستعمارية بشتى الطرق والوسائل، وتنفيذ عمليات القتل ضد عناصر الخونة، وتهريب الأسلحة والذخيرة. وفي هذا الشأن، فقد تكونت فرقة فدائية بالغة السرية والدقة، كانت عناصرها تتألف من بعض العسكريين الجزائريين داخل ثكنات الجيش الاستعماري، حيث أوكل إليها “عقب اللّيل” مهمة خاصة تنحصر فقط، من بين جميع الأنشطة، في تهريب “الذخيرة” إلى المجاهدين. وقد شهدت مدينة تلمسان بالفعل عملية هامة في هذا المجال، قد تكون فريدة من نوعها على مستوى الثّورة التحريرية. حيث عمدت هذه العناصر السرية داخل الجيش الاستعماري إلى تهريب كمية من “الذخيرة” بشكل خفي ومنتظم، ليتم تخزينها في كل مرة بمخزن للسلع كان يملكه شخص يهودي قريبا من “دار العدالة” بالشارع المسمى حاليا “السلم”. وقد كان يجري كلّ ذلك بفضل عمال المخزن الجزائريين، والذين كانوا من المناضلين السريين. استمرت هذه العملية الجريئة بضعة أشهر، وبعد أن تم تجميع كمية معتبرة من “الذخيرة” داخل هذا المخزن، كُلّف أحد المناضلين4 لنقلها، وكان يعمل كسائق في سيارة نقل (من نوع رونو) يملكها أحد الأفراد من أسرة كانت معروفة بتقربها من الإدارة الاستعمارية. لقد نقل هذا المناضل هذه الحمولة من الرصاص، وقد بلغ وزنها ما يقارب خمسة وعشرون قنطارا، في شهر فبراير 1956 حيث انطلق من مدينة تلمسان ليتوجه نحو قرية صبرة، ثم دشرة “واسار” حيث كان في انتظاره هناك “عقب اللّيل” وبعض الرفقاء من المجاهدين5.

وإذا ما تأملنا في طبيعة هذه الخطة الفدائية، من بدايتها إلى نهايتها، حيث كان مصدر التهريب من داخل الثكنات الاستعمارية، ثم التجميع والتخزين في مخزن يملكه “يهودي”، في منطقة تعجّ بالحركة والمراقبة (قريبا من دار العدالة)، ثم عملية النقل التي تمت بواسطة سيارة نقل يملكها واحد من الأشخاص تطمئن وتثق فيه الإدارة الاستعمارية، عبر طريق رئيسي تمرح فيه العديد من الدوريات العسكرية. فإنه ولا شك ندرك حينئذ مدى الأسلوب الفعال الذي كان يتسم به “عقب اللّيل” ورفقائه المجاهدين. كما ندرك مدى جرأتهم وإصرارهم على اختراق مناطق العدو، مهما كانت بها ترتيبات الأمن وإجراءات الحراسة. وإذن يمكن القول؛ بأن العمل الفدائي في مدينة تلمسان، كان له أسلوبه الخاص في تنفيذ العمليّات والانسحاب منها، أذكر من ذلك على سبيل التوضيح، ثلاثة أساليب رئيسة:

ينتظر الفدائي في محيط العملية ويتربص. خاصة إن كانت العملية تستهدف إلقاء قنبلة يدوية، أو قتل أحد من أفراد العدو أو الخونة. يتربص إلى حين يتصادف مرور سيارة نقل (مغطاة من الخلف). حينها ينفّذ الفدائي العملية ثم يقفز فورا خلف السيارة، دون أن يشعر به أحد بما في ذلك سائق السيارة نفسه، لينسحب منها بعدما تبتعد وتخرج عن محيط العملية. وبهذه الطريقة يتجنب الفدائي الهروب وسط المواطنين، كما يتحاشى ملاحقته من طرف الشرطة الاستعمارية عبر الطرق والشوارع.

يجيء الفدائي مختبئا خلف سيارة نفل مغطاة. على عكس الطريقة الأولى، وعند بلوغ المكان المعلوم ينفّذ العملية، ويبقى مختبئا إلى أن يبتعد عن مكان الخطر فيقفز بنفس الطريقة السرية، ويتوارى عن الأنظار.

يرتدي الفدائي اللباس العسكري المماثل للباس العدو. بحيث يكون هناك إتقان في التمويه، ويستطيع المرور والاقتراب من العساكر والشرطة الاستعمارية دون أن يلفت الانتباه. بل أحيانا كثيرا ما كان يتمكن الفدائي أو المجموعة الفدائية من التوغّل داخل المراكز والثكنات العسكرية، إذا اقتضى الأمر ذلك. ومن المعلوم بأنّ هذا الأسلوب الفدائي (التنكر بلباس العدو) هو الأسلوب الذي تميزت به مدينة تلمسان دون غيرها. ومن أشهر الفدائيين الذين تميزوا بطريقة التنكر هذه، كوسيلة للهجوم على مراكز العدو في عمقها، الشهيد بختي عبد الرزاق.

بختي عبد الرزاق

الشهيد : الفدائي والمجاهد، بختي عبد الرزاق عام 1955

هو فدائي ومجاهد في نفس الوقت. يعد من الفدائيين الذين تألقوا في هذا النوع من التمويه والاختراق. وقد ساعده على ذلك –دون شك- لون بشرته الأبيض وعيناه الملونة وإتقانه الحديث باللغة الفرنسية. لقد التحق بالتنظيم الفدائي في شهر أكتوبر عام 1955، وإذ كان آنذاك يعدّ من أصغر الفدائيين سنا في مدينة تلمسان، إلاّ أنّه أصبح من أشدهم خطورة في الهجومات والعمليّات ضد عناصر العدو. ولأجل ذلك لجأت الشرطة السرية الاستعمارية وبدافع الانتقام إلى خطف والده الشهيد “محمد الصغير بختي”، ثم اقتدائه إلى منطقة الوريط شرق تلمسان، حيث قاموا بقتله بكل وحشية، ورموا بجثته على حافة الطريق. كلّ ذلك انتقاما –كما قلت- من ابنه (التلميذ الفدائي)، الذي قام بعدة عمليات فدائية جريئة. ومن أغرب ما يحكى عن إقدامه في العمل الفدائي، بأنه كثيرا ما كان يتمكن من الدخول والتوغل داخل مراكز الاستعمار، وهو متخف في زيهم العسكري. دون أن يكتشفوا أمره وحقيقته أو يميزوه عن عساكر الاستعمار. وقد التحق هذا التلميذ الفدائي المميّز بالمجاهدين بعد استشهاد والده مباشرة، ولم يجد نفسه بعد ذلك إلاّ في رفقة قائد “القسم الخامس” ومنذ ذلك الحين أصبح بالنسبة لـ “عقب اللّيل” الابن العزيز والمحارب الرفيق، والمجاهد المقدام في كل العمليّات والمعارك ضد الجيش الاستعماري إلى أن رافقه بنفس العزيمة والنية الخالصة في التضحية والاستشهاد.

ولعلّه من الضروري، في سياق الحديث عن العمل الفدائي بمدينة تلمسان أن أشير إلى عملية تخريب وحرق “مكتب سبدو”. وهي عملية جريئة أمر بها بصورة ملحة “عقب اللّيل”، ونفّذتها إحدى الخلايا الفدائية6 في 16 مارس عام 1956. لقد كان مقر هذه الإدارة الاستعمارية المستهدفة خلف البريد المركزي (ما يزال متواجدا في نفس المكان)، وكانت هذه الإدارة استعمارية تشرف على عدة مناطق تمتد من “عين النحالة” شرقا إلى منطقة “البويهي” غربا. وقد غنمت هذه الجماعة الفدائية بعد تنفيذها للعملية بكل إتقان، خمسين بندقية وخمسة عشر رشاشا وعشر مسدسات، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الذخيرة، ومجموعة من الراقنات (آلات الكتابة)، وساحبة يدوية، وجميع ما كان موجودا من “خواتم” الإدارة الاستعمارية. وقد قام المجاهد بن دحمان محمد، وكان عنصرا أساسيا ضمن هذه الخلية الفدائية. حيث كان سائقا خاصا “للحاكم”. قام هذا المجاهد بنقل كلّ هذه الأشياء في سيارة “الحاكم” ذاته، وتوجه بها نحو دشرة “مليلية”. وهي غرب الحناية. حيث كانت هناك فرقة من المجاهدين في انتظاره. وبعد أن تسلم المجاهدون هذه الكمية من السلاح والعتاد الحربي، قام هذا المجاهد المذكور، بإعادة السيارة إلى الطريق الرابط بين تلمسان والحناية، في الجهة القريبة من “سيدي كانون”. ليقوم بحرقها ثم الالتحاق بالمجاهدين.

وعلى إثر هذه العملية الفدائية، التي كان لها وقعا كبيرا على الأوساط الاستعمارية، تحركت القوات الاستعمارية في كل اتجاه، محاولة تتبع آثار الفدائيين والمجاهدين. فضربت من أجل ذلك حصارا شديدا شمل المنطقة الجبلية كلها. من جبال تيرني وبني هديل وجبال صبرة. ثم امتد هذا “المسح” العسكري المكثف إلى أن بلغ جبال بني بحدل. كل ذلك كان من منطلق اعتقادهم بأن المجاهدين سيلجأون إلى المناطق الجبلية الغابية، بينما كانت وجهتهم نحو الشمال، عبر الأودية والشعاب، التي ترتبط فيما بينها، انطلاقا من غرب “مليلية”، نحو “ولاد رياح” و”زكدونة”.

وجدير بالذكر بأن “دشرة” مليلية بالإضافة إلى ذلك، شهدت عدة عمليات ثورية، كان من أشهرها الواقعة التي استشهد فيها أصغر إخوان عقب اللّيل وهي ذات الواقعة التي حشر فيها الجيش الاستعماري سكان هذه الدشرة، رجالها ونساؤها وأطفالها داخل المسجد. وحجزهم هناك عدة أيام، كعقاب جماعي لمساعدتهم وإخفائهم للمجاهدين.

الشهيد بوزيدي أحمد

لا باس أن أذكر بصورة مختصرة، قصة استشهاد هذا الأخ الأصغر الذي لم يكن عمره يتجاوز العشرين سنة، لعلي أضع أمام الشباب الجزائري صورة أخرى للتضحية من أجل الوطن، ولعله بذلك –أي الشباب الجزائري- يتمكن من التمييز بين الأبطال الحقيقيين من غيرهم. أولئك الذي لم يجئ ذكرهم لا في الكتب ولا في الخطب ولا في المناسبات. ولم يستسلموا للعدو، حتى وهم محاصرين داخل المخابئ. على خلاف الكثيرين الذين استسلموا رافعين أسلحتهم وما يزالون أحياء ويدّعون الجهاد والبطولات.

في 04 جانفي عام 1958، جاءت الجيش الاستعماري معلومات أوشى بها أحد الخونة، بأنّ هناك أربعة من المجاهدين. ومهمتهم زرع الألغام وقطع الأسلاك الشائكة. يقودهم “بوزيدي أحمد”، يختبئون في أحد المنازل بدشرة مليلية7. فاندفعت على إثر ذلك قوات عسكرية مدعمة بالدبابات والسيارات المصفحة،وأحاطت بالدشرة من كل الجهات. فانتشر العساكر وتموقعوا في كل ربوة وعلى سطح الأرض وفوق سطوح المنازل. فتمت محاصرة المنزل الذي كان في وسط حوشه “مخبأ” المجاهدين بصورة ضيّقة ومباشرة. فأسرعت صاحبة المنزل الشهيدة؛ “فرواني يامنة”8 واقتربت من “المخبأ” السري وسط الحوش لتهمس إليهم بأنهم أصبحوا في خطر. فالجيش الاستعماري أصبح متواجدا في كل جهة، وأن البيت هو كذلك محاصرا بجيش جرار (…فانظروا ما أنتم فاعلون…).

انقبض المجاهدون وارتبكوا لهذا الخبر المفاجئ، فقد أصبحوا محاصرين داخل “المخبأ”. وما هي إلاّ لحظات، حتى سمعوا قائد الجيش الاستعماري يقول لهم بمكبّر الصوت:«…أنتم محاصرون …ونحن نعرف عددكم ومكان وجودكم … فليس أمامكم إلاّ الاستسلام… فاخرجوا وأيديكم فوق رؤوسكم…».

لم يبق للمجاهدين، أي متسع لتدبر الموقف، فقام بعضهم بسحب قنبلته اليدوية وفك “خرصها” بدون أي تفكير، ووقف مستعدا لتفجيرها على نفسه، خوفا من الاستسلام والقبض عليه. فاقتدى به في الحين رفقاؤه الآخرون، وتهيّأوا لنفس الموقف. إلاّ أن مسؤولهم (بوزيدي أحمد) تدخل بكل ثبات وشدة قائلا لهم:«…كيف تقتلون أنفسكم بدون مقاومة… ماذا عساه أن يقول الناس… سيقولون قتلنا أنفسنا خوفا من العدو.. وإذا كنتم ترغبون في الموت، فهي على كل حال، موجودة “بالخارج” تنتظرنا…»، وما أن انتهى من كلامه حتى اندفع كالسّهم نحو الخارج، بطريقة لا يعلمها إلا الله وأصحابه الذين شاهدوه، وهو يفعل ذلك ليرمي بقنبلته على مجموعة من العساكر، كانوا يحاصرون “المخبأ” وسط الحوش، ثم اقتحمهم وهو يطلق الرصاص ذات اليمين وذات اليسار وفي كل اتجاه. ليستطيع بعد أن أثار الرعب في نفوسهم وأربكهم، وقد أوقع منهم ثمانية قتلى ليستطيع أن يتجاوزهم ويخرج من الحوش، ويتملص من حصار المنزل، ثم من حصار الدشرة. وبينما كان على وشك الارتماء في أحضان إحدى الشعاب من الناحية الشرقية، إذ لمحه في هذه اللحظات، أحد عناصر العدو وقد كان متموقعا برشاشته الثقيلة (بياسة)، في المواقع الخلفية، فأطلق عليه وابلا من الرصاص، أصابه في جميع نواحي جسمه من الخلف، ليسقط هذا البطل متمرغا في التراب، تماما كما يسقط الفرس الجامح. بعدما انتقم لنفسه وللمجاهدين رفاقه، الذين اتبعوا خطواته محاولين اقتحام الحصار فاستشهدوا الواحد وراء الآخر على أبواب المخبأ.9

الشهيد بوزيدي أحمد (الأخ الصغير)، وهو جالس ويحمل نظارة، في هذه الصورة يرتدي ملابس أخيه “عقب اللّيل”، بجانبه المجاهد: بن عزوزي الحسين، من فرقة الدرك بالقسم الخامس.
الشهداء الأربعة الذين استشهدوا يوم 04 جانفي 1958 في حصار مليلية (الحناية)، ومن ضمنهم الشهيد: بوزيدي أحمد، وجثته توجد في أعلى الصورة، ما يشبه رأس السهم، وقد كان بالفعل “رأس السهم” في هجومه على جيش العدو.
أسلحة الشهداء الأربعة

1 الأحياء الشعبية؛ مثل القلعة والمدرس وسيدي الحلوي وأغادير.

2 الهجوم على معمل النسيج M.T.U ثم الهجوم على مطعم “لوبيرج” ،الذي كان بداخله مجموعة من ضباط الجيش الفرنسي وشرطته.

3 لم يمض وقت طويل حتى بلغ خبر هذه الجماعة المتمركزة بمنطقة “ولاد رياح” إلى “بوصوف” الذي أسرع بدوره للاتصال بـ “عقب اللّيل”، طالبا منه القبض على هذه “الجماعة” أو قتل أفرادها. إذا ما شك في أمرهم، وقد كلف “عقب اللّيل” للقيام بهذه المهمة المجاهد “بن زيان”، هو قائد مجموعة، حيث عثر عليهم في دار “بن توات”، اين كانوا مختبئين وينتظرون الاتصال بالمجاهدين. وبعد أن استقصى في أمرهم، بحيث وجدهم عناصر من الشباب، ومن ضمنهم “لطفي” يرتدون لباسا عسكريا ومسلحين، وهم يرغبون في الالتحاق بنظام الثّورة. حينها عاد المجاهد “بن زيان” إلى قائده، وهو مقتنع بحقيقة أمرهم، مما جعله لا ينفذ أي شيء من الأوامر التي وصلت من القيادة من مدينة وجدة.

4 هذا المناضل والذي التحق بالمجاهدين بعد هذه العملية هو: دحماني بن عمر.

5 كان اللقاء بدار عائلة “مزوار”، حيث جرى ترتيب وتنظيم هذه الكمية من “الذخيرة”، لتوزع على مختلف الجهات عبر الأقسام.

6 لقد شارك في هذه العملية الفدائية مجموعة من العناصر الفدائية، نتيجة لصعوبتها وأهميتها ، وكان الشخص الأساسي فيها المجاهد “بن دحمان محمد”، بوصفه كان سائقا “للحاكم”، ثم الفدائي الجريء المدعو “مامي”، بالإضافة إلى بوجمعة، والعيوني بن دحمان، ورشيد بن ديمراد، ومحمد بختي، وحمادي بوسيف، والعربي، ورشيد بن بلال، وبودخيل، ومحمد التريكي، وهو الصيدلي الذي زود الفرقة الفدائية بـ “لفافات”، “استعملت في إضرام النار لحرق الإدارة الاستعمارية” .

7 تقع دشرة مليلية غرب قرية الحناية ولاية تلمسان.

8الشهيدة : فرواني يامنة، قتلها عساكر الاستعمار في نفس المكان، بعدما أنكرت وجود المجاهدين، بينما كانوا على علم بكلّ شيء، كما قتل الشهيدة: مصطفاوي فاطمة لنفس السبب.

9 لقد نجا المجاهد؛ هداجي أحمد، من هذه المجموعة، بعدما كان من عداد الأموات، حيث اكتشف أحد عناصر جيش العدو، بأنّ الرجل مازال يتنفس، فنقل إلى المستشفى وكتبت له الحياة إلى يومنا هذا. وهو المجاهد الذي تفضل بتزويدي بمنطوق الحديث الذي دار بينهم داخل “المخبأ”، كما منحني صور الشهداء.